هل تستطيع تركيا تفكيك "العمال الكردستاني" ودمج "قسد" أثناء إعادة صياغة قواعد اللعبة في سوريا؟

أنقرة تأمل نزع سلاح “العمال الكردستاني” ودمج “قسد” ضمن دمشق… لكن الشكوك والمخاطر لا تزال حاضرة
بقلم: بارين كايا أوغلو – المونيتور
رادار سوريا – تقارير
تواجه تركيا اختبارًا حاسمًا في صراعها الطويل مع الجماعات الكردية المسلحة، إذ تسعى لتسريع عملية نزع سلاح حزب العمال الكردستاني (PKK) ودمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) سياسيًا وعسكريًا ضمن سلطة دمشق. وبينما تصف أنقرة هذه الخطوات بأنها جزء من مساعيها لتحقيق “تركيا خالية من الإرهاب” واستقرارًا إقليميًا، إلا أن انعدام الثقة العميق بين الأكراد، والتنافسات الجيوسياسية المستمرة خاصة مع إسرائيل والولايات المتحدة والمشهد السياسي الداخلي المتشظي، كلها عوامل تُشير إلى أن التقدم سيكون بطيئًا ومليئًا بالعقبات.
أنقرة تضغط… والمخاوف تتزايد
تُبدي القيادة التركية تفاؤلاً حيال إمكان نزع سلاح حزب العمال الكردستاني ودمج “قسد” التي تعتبرها أنقرة الذراع السورية للحزب. لكن الخلافات لا تزال قائمة: فـ”قسد” تسعى للاحتفاظ بهيكلها العسكري ضمن الجيش السوري، بينما تصر دمشق على دمج المقاتلين بشكل فردي واستعادة السيطرة المركزية على المناطق التي تديرها الإدارة الذاتية.
تسعى تركيا لتسريع كلا المسارين، معتبرة أن التأخير قد يؤدي إلى عودة العنف، وقد تُصعّد من ضغوطها على الطرفين قريبًا.
ورغم أن المسؤولين الأتراك يرون في تفكيك “العمال الكردستاني” فرصة تاريخية، إلا أنهم يعتبرون الملف السوري مفتاحاً لهذا الهدف. وتدعو أنقرة “قسد” للمضي قدمًا في تنفيذ اتفاق 10 آذار بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي، والذي ينص على إعادة دمج مناطق الشمال الشرقي في الدولة السورية مقابل الاعتراف بالحقوق الكردية وحصة من الإيرادات الوطنية.
جدل حول “قسد” و”العمال الكردستاني”
يُصنف “العمال الكردستاني” كمنظمة إرهابية من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلا أن أنقرة وحدها ترى “قسد” امتدادًا مباشراً له.
وقد لعبت “قسد”، بدعم من التحالف الغربي، دورًا محوريًا في محاربة “داعش” وتدير حالياً مناطق واسعة في الشمال الشرقي لسوريا، تشمل مناطق عربية ذات أغلبية.
تحركات داخل تركيا: لجنة دستورية ومطالب كردية
ترتبط جهود أنقرة في سوريا بمساعيها الداخلية لنزع سلاح “العمال الكردستاني”. ففي تموز/يوليو، دعا رئيس البرلمان التركي نعمان قورتلموش الأحزاب السياسية لترشيح أعضاء للجنة مكوّنة من 51 شخصًا تحت شعار “تركيا خالية من الإرهاب”.
ومن المتوقع أن تناقش اللجنة إصلاحات دستورية وقانونية تتعلق بالصراع الكردي، وقد تشمل هذه المطالب الاعتراف الدستوري بالأكراد وإطلاق سراح المئات من النشطاء والسياسيين والصحفيين الأكراد.
في المقابل، هاجم زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي “قسد” على خلفية “تباطؤها” في تنفيذ اتفاقيات السلام، منتقدًا تجاهلها دعوة زعيم “العمال الكردستاني” عبد الله أوجلان في 27 شباط لنزع السلاح. كما حذر من أن تصبح “قسد” و”العمال الكردستاني” أدوات في “سياسات إسرائيلية” تهدف لتقسيم سوريا وزعزعة استقرار الحدود الجنوبية لتركيا.
تتماهى تصريحاته مع موقف وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي شدد مؤخرًا على ضرورة توصل “قسد” لاتفاق مع الحكومة المركزية في دمشق واتخاذ “خطوات واقعية”، مشددًا على ضرورة “إلقاء السلاح”.
إشارات رمزية من “العمال الكردستاني”
وفي العراق، نفذ مقاتلو “العمال الكردستاني” في محافظة السليمانية مراسم رمزية لحرق الأسلحة في معاقلهم الجبلية على حدود تركيا والعراق وإيران.
تؤكد أنقرة أن عملياتها العسكرية أضعفت التنظيم، وأجبرته على الانسحاب من الحدود، وتعتبر أن لا حاجة بعد الآن لأي مفاوضات.
لكن الضغوط تتزايد على “قسد” أيضًا. يقول عمر أوزكيزيلجيك، الباحث المتخصص في الشأن السوري لدى المجلس الأطلسي، إن الرسائل التركية الأخيرة “أنهت كل الغموض” بشأن نوايا أنقرة، مشيرًا إلى أن التصريحات الرسمية الأخيرة “لا تترك مجالاً للتأويل”.
اتفاق 10 آذار في مهب الريح
حتى الآن، لم يحقق اتفاق “قسد” مع دمشق تقدماً ملموسًا، والثقة بين الطرفين منخفضة. يقول أرون لوند، الباحث في وكالة الأبحاث الدفاعية السويدية، إن العلاقة المستقبلية بين “قسد” والجيش الوطني السوري “لا تزال غير واضحة”، مشيرًا إلى أن “أحداث السويداء الأخيرة زادت الشكوك”.
فقد أسفرت الاشتباكات في منتصف تموز/يوليو بين قبائل بدوية موالية للحكومة وميليشيات درزية في مدينة السويداء عن مقتل أكثر من 1400 شخص، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
هذه الأحداث دفعت بعض قادة “قسد” للتشكيك بموثوقية دمشق، وطرحت تساؤلات عن إمكانية التقارب مع إسرائيل كبديل سياسي.
أنقرة تتجه نحو التحرك الأحادي؟
يثير هذا الطرح قلق أنقرة. ووفقًا لأوزكيزيلجيك، فإن تركيا أبلغت مسؤولين أمريكيين، بمن فيهم السفير الأمريكي في أنقرة توم باراك الذي يشغل أيضًا منصب المبعوث الخاص للإدارة الأمريكية إلى سوريا بضرورة الضغط على “قسد” لتنفيذ اتفاق آذار.
ويقول أوزكيزيلجيك إن “التحرك التركي العسكري قد يكون العامل الوحيد الذي يفرض دمج (قسد) في الدولة السورية الجديدة”، موضحًا أن تركيا قد تتصرف بشكل منفرد إذا لم يحدث تقدم، مشيرًا إلى أن أنقرة لم تعد ترى في الولايات المتحدة أو روسيا أو إيران عوائق رئيسية كما في السابق.
وحذر: “أنقرة مدت غصن الزيتون لـ(قسد). عليهم أن يقبلوه، وإلا قد تندلع مواجهات جديدة”.
المجتمع الدولي متردد… وتركيا لا تملك أوراقًا كافية
لكن هناك تحذيرات من مبالغة في تقييم قدرة تركيا. إذ قال دبلوماسي غربي للمنصة، رفض الكشف عن هويته: “حتى لو أرادت أنقرة تسريع اندماج (قسد) بدمشق، فإن نفوذها محدود على الأكراد والحكومة السورية على حد سواء”. وأضاف: “التهديد العسكري يمكن أن يُعقّد المواقف بقدر ما يمكن أن يُغيّرها”.
الداخل التركي: تفاؤل حكومي وسط انقسام شعبي
رغم التفاؤل الرسمي، فإن الرأي العام التركي لا يزال منقسمًا. فقد أظهر استطلاع أجراه مركز “راوست” في ديار بكر، أن 81% من الأكراد و64% من عموم الأتراك يدعمون العملية الجديدة.
لكن حسين رشيد يلماز، مدير برنامج السياسات في معهد الدراسات الاجتماعية بأنقرة، قال إن الشكوك لا تزال مرتفعة، مضيفًا: “حوالي 50% من المشاركين يعتقدون أن عبد الله أوجلان يجب أن يُعدَم، و30% يرون أنه يجب أن يبقى في السجن، وفقط 10% يعتقدون أن ظروف اعتقاله يمكن تحسينها”.
وأضاف: “القول إن أوجلان يعارض إسرائيل وبالتالي يمكن أن تتقارب (قسد) و(العمال الكردستاني) مع تركيا يبدو مضحكًا تقريبًا. لم يعد هناك وجود نشط لـ(العمال الكردستاني) داخل تركيا، فما الجدوى من إرضائهم؟”
معركة التعديلات الدستورية: صدام سياسي في الأفق
يواجه أي تعديل دستوري متعلق بالقضية الكردية معركة سياسية صعبة. فحزب الشعوب الديمقراطي (DEM) انضم للجنة البرلمانية، لكن حزب العدالة والتنمية وحليفه القومي (MHP) لا يمتلكان الأغلبية الكافية لتمرير التعديلات بمفردهما، ويحتاجان لدعم حزب الشعب الجمهوري المعارض (CHP) لعرضها في استفتاء شعبي.
لكن حزب الشعب الجمهوري يقف على خلاف مع الحكومة، خاصة بعد الحكم على رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو بالسجن بتهم تتعلق بالفساد والإرهاب، وهي قضية يعتبرها الحزب ذات دوافع سياسية.
وقال يلماز: “بالنسبة لـ(CHP)، هذا وضع غير منطقي. الحزب لا يثق بقدرة العدالة والتنمية على حل أي من القضايا الكبرى كالتعليم والزراعة والعدالة فكيف يُطلب منه حل ملف الإرهاب؟”
وأشار أيضًا إلى تصاعد النزعة القومية، لا سيما بين الشباب: “في استطلاعاتنا، 36% من المشاركين عرّفوا أنفسهم بأنهم (موالون لأتاتورك) و15.9% (قوميون). أما بين الشباب، فارتفعت هذه النسب إلى 55% و17% تقريبًا”.
وفي المظاهرات الرافضة لسجن إمام أوغلو، تعرض بعض متحدثي حزب الشعب الجمهوري لصافرات استهجان من نشطاء شباب، بسبب ما وصفوه بـ”عدم الحزم الكافي في الخطاب القومي”.