آراء

سوريا: نقطة تحول في مواجهة تحديات الداخل ومعادلات الخارج

نور الحسين
كاتبة ومحللة سياسية

تمر سوريا بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث تختلط تعقيدات الداخل بموازين القوى الإقليمية والدولية التي تعيد رسم ملامح المشهد السياسي. سقوط النظام السابق فتح الباب أمام فرص جديدة، لكنه في الوقت ذاته كشف عن تحديات ضخمة على كافة المستويات، ما يجعل صياغة سياسة خارجية متزنة وقوية أولوية لا غنى عنها لتحقيق الاستقرار وإعادة بناء الدولة.

سياسيًا، تسعى حكومة أحمد الشرع إلى تحقيق التوازن بين مطالب الداخل والضغوط الدولية. هذه الحكومة، التي تشكلت في أعقاب الإطاحة بالنظام السابق، تقف أمام مهمة بناء شرعية سياسية جديدة تعكس إرادة كل السوريين. ومع ذلك، فإن الانقسامات المستمرة بين القوى السياسية والمكونات المختلفة تهدد بتقويض أي جهود لإعادة اللحمة الوطنية. الحل يكمن في حوار وطني شامل يضع مصلحة سوريا فوق كل الاعتبارات، مع تعزيز الشفافية واحترام حقوق الإنسان.

على المستوى العسكري والأمني، تلعب قوات سوريا الديمقراطية دورًا أساسيًا في الحفاظ على الاستقرار في شمال وشرق البلاد. دعم التحالف الدولي لهذه القوات يعكس اعترافًا دوليًا بأهميتها في مكافحة الإرهاب وضمان الأمن الإقليمي. ومع ذلك، تبقى هذه القوات في مواجهة مستمرة مع التهديدات التركية، التي تواصل تنفيذ عمليات عسكرية تهدف إلى تقويض الاستقرار وزعزعة المنطقة لتحقيق مصالحها التوسعية.
الإقليم، بدوره، يشهد تنافسًا واضحًا بين القوى المختلفة، حيث تسعى تركيا إلى فرض أجندتها من خلال استغلال الانقسامات الداخلية، بينما تحاول الدول العربية إعادة سوريا إلى الجامعة العربية بشروط سياسية تصب في مصلحتها. هذه المحاولات، رغم ما تحمله من تحديات، توفر أيضًا فرصة لإعادة سوريا إلى موقعها الطبيعي كلاعب محوري في المنطقة إذا ما تم استثمارها بحكمة.
دوليًا، تغيرت معادلة النفوذ بشكل كبير بعد سقوط النظام السابق. الولايات المتحدة تركز على دعم استقرار المناطق المحررة ومنع عودة تنظيم داعش، لكنها لا تزال تفتقر إلى استراتيجية شاملة لحل الأزمة. في المقابل، تجد روسيا نفسها مضطرة إلى إعادة تقييم دورها في سوريا بعد فقدان شريكها الرئيسي، مما يدفعها للبحث عن طرق جديدة للحفاظ على مصالحها.
الأزمة الاقتصادية هي الجرح الأعمق في جسد سوريا. يعاني المواطنون من أوضاع معيشية قاسية، مع ارتفاع غير مسبوق في تكاليف الحياة وانهيار الخدمات الأساسية. البطالة، الهجرة، وغياب الفرص تضيف إلى معاناة الشعب، بينما تظل الحكومة مطالبة بوضع خطة اقتصادية شاملة تعيد بناء الاقتصاد الوطني وتوفر فرصًا حقيقية للشباب السوري.
السياسة الخارجية لسوريا في هذه المرحلة يجب أن تكون مبنية على أسس متينة تراعي متغيرات الواقع. تحقيق الاستقرار الداخلي يتطلب شراكات خارجية قائمة على الاحترام المتبادل، بعيدًا عن الحسابات الضيقة أو التبعية. العمل على تعزيز السيادة السورية يبدأ من الداخل، لكن دعمه دوليًا سيكون العامل الحاسم في نجاحه.
سوريا ليست مجرد مسرح للتنافس الدولي، بل هي وطن لأكثر من 20 مليون إنسان يستحقون السلام والكرامة. الرسالة التي يجب أن تصل للعالم واضحة: سوريا الجديدة قادرة على بناء مستقبل مختلف، لكن الأمر يتطلب دعمًا صادقًا وإرادة محلية حقيقية.
المعادلة السورية لن تُحل بالقوة وحدها، بل بالحكمة، الحوار، والتكاتف. المنطقة بأكملها تقف على أعتاب مرحلة جديدة، وسوريا هي المفتاح الرئيسي لتحديد شكلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

رادار سوريا