هل تسعى الإدارة الذاتية إلى إعادة تعريف عيد النوروز وتفريغه من رمزيته القومية؟

شيروان شاهين – محرر منصة رادار سوريا
أثار تعميم صادر عن هيئة الداخلية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بشأن عيد النوروز جدلاً واسعاً وتبايناً بين النشطاء الكرد والعرب على منصات التواصل الاجتماعي، حيث وصف البيان العيد بأنه “عيد للحرية والمساواة” دون أي إشارة إلى رمزيته القومية والثقافية للشعب الكردي.
ويرى مراقبون أن هذا التوجه يعكس محاولة الإدارة الذاتية لإعادة صياغة هوية النوروز وتفريغه من رمزيته القومية، عبر تقديمه كعيد إنساني شامل بدلاً من التأكيد على كونه عيداً قومياً للشعب الكردي. ومثل هذه الممارسات، سواء كانت مقصودة أم لا، تندرج في سياق سياسات التذويب الثقافي التي لطالما واجهها الأكراد في المنطقة.
ويطرح هذا التوجه تساؤلات جوهرية حول أسباب تغييب البعد القومي للنوروز في الخطاب الرسمي للإدارة الذاتية، خصوصاً في ظل التحديات السياسية والثقافية التي يواجهها الأكراد في سوريا والمنطقة. فتمسية الأعياد وربطها بجذورها التاريخية والقومية أمر أساسي، كما هو الحال مع الأعياد التي يحتفل بها الآشوريون والأرمن و الدروز والإسماعيليون والعلويون، والتي تعكس خلفياتها الثقافية والاجتماعية.
ردود الأفعال المتباينة: هل هو تجاهل أم خطوة استراتيجية؟
أثارت هذه القضية انقسامات في وجهات النظر بين الكُتّاب والمحللين السياسيين، حيث رأى البعض أن التعميم يعكس تحولًا سياسيًا مقصودًا، بينما اعتبره آخرون خطوة طبيعية في إطار خطاب أكثر شمولية.
الأستاذة رشا الأحدب، حقوقية سورية، علّقت على التعميم قائلة:
“الإدارة الذاتية أصابت عندما وصفت نوروز بأنه عيد تاريخي يحتفل به العديد من الشعوب، لكنه في الوقت ذاته عيد قومي للكرد، وهو جزء من هويتهم التي حاول الكثيرون تهميشها وسلبها. لذلك، كان من الضروري التأكيد على خصوصيته للكرد في سوريا وعدم الاكتفاء بوصفه عيداً عاماً، خاصةً بعد أن تعرض الكرد السوريون للاعتداءات خلال احتفالاتهم السابقة. سوريا الجديدة التي نطمح إليها يجب أن تكون عادلة لكل مكوناتها، وأن تعترف بكل الأعياد القومية كما هو الحال مع عيد الفطر وغيره من المناسبات الرسمية.”
الناقد والسياسي الكردي محمود كولو أشار إلى أن “الإدارة الذاتية تحاول تقديم نفسها كممثل لكل سوريا، وتسعى إلى صياغة خطاب يشمل جميع المكونات، لكن ذلك لا يعني أن نوروز فقد هويته القومية الكردية، فهو سيبقى جزءاً من التراث الكردي رغم أي محاولات لإعادة تعريفه. فالنوروز ليس مجرد احتفال تقليدي، بل هو رمز للنضال والتاريخ والهوية، وهو مرتبط بوجدان الشعب الكردي منذ قرون. إن تجاهل الإدارة الذاتية لهذا البعد القومي لا يغير من حقيقة أن هذا العيد كان ولا يزال نقطة محورية في الوعي الجماعي للكرد، وأي محاولة لتخفيف رمزيته لن تؤدي إلا إلى المزيد من الجدل والتوتر بين المكونات.”
أما الكاتب الدرزي السوري حسن البكفاني فقد أشار إلى الأهمية التاريخية لنوروز قائلًا: “النوروز ليس مجرد عيد كردي، بل هو احتفال متجذر في الثقافات الشرق أوسطية، وله أبعاد تاريخية تمتد عبر الزمن. المصريون لديهم عيد شم النسيم، الذي يعدّ إرثًا تاريخيًا يعود إلى الحضارة الفرعونية، والسوريون يحتفلون بعيد الأم في نفس اليوم، وهي مناسبة مستوحاة من تقاليد بلاد الشام القديمة، حيث كان فصل الربيع مرتبطًا بالأم والطبيعة. لكن هذا لا ينفي أن الأكراد هم الأحق بالاحتفال بنوروز كعيد قومي، فهو بالنسبة لهم ليس مجرد مناسبة موسمية، بل يمثل لحظة رمزية تعكس تاريخهم وكفاحهم في مواجهة محاولات الطمس والإقصاء. ومن هنا، فإن أي خطاب يسعى إلى تقديم نوروز كعيد عام دون الاعتراف بأهميته الخاصة للكرد، قد يثير تساؤلات حول نوايا القائمين على هذا الطرح.”
على الجانب الآخر، وجهت المستشارة القانونية إلهام عبد القادر عبد الرحمن انتقادات حادة، معتبرة أن “البيان خيانة لدماء الشهداء الذين ضحوا في سبيل حقوق الأكراد، وهو استمرار لنهج تقديم التنازلات السياسية للحكومة السورية على حساب الحقوق القومية للكرد.” وأضافت: “بعد خسارة مناطق كردية استراتيجية، تأتي الإدارة الذاتية الآن لتفرغ العيد من رمزيته، وكأنها تمهّد للاعتراف بأن الكرد ليسوا سكانًا أصليين في هذه الأرض.”
أما الفنان التشكيلي والناشط الحقوقي خضر عبد الكريم، فقد رأى أن البيان يعكس “محاولة تكييف النوروز مع أيديولوجية ‘أخوة الشعوب’ المستوحاة من فكر عبد الله أوجلان، مما يثير التساؤلات حول نوايا الإدارة في تجريد العيد من هويته الكردية وإعادة صياغته وفقاً لمفاهيم سياسية معينة.”
وفي السياق ذاته، اعتبر الناقد السياسي الكردي علي كاكو أن “الأنظمة القمعية لطالما حاولت طمس هوية النوروز، فمنع الاحتفالات به، وقمع المشاركين فيها، وحتى تجريم إشعال النيران الرمزية، كانت أساليب تستخدمها الأنظمة الاستبدادية لحرمان الكرد من أحد أهم رموزهم القومية. لكن أن تأتي هذه المحاولة من الإدارة الذاتية نفسها، التي تدّعي تمثيل مختلف المكونات، فهذا أمر غير مقبول ومثير للدهشة. إذا كان هناك من يدّعي أن تقديم النوروز كعيد عام هو خطوة في اتجاه التعددية، فإن ذلك لا يمكن أن يكون مبررًا لإلغاء رمزيته القومية الكردية أو تهميشها.”
وأضاف: “لا أحد يرفض مشاركة الشعوب الأخرى في الاحتفال، فالكرد أنفسهم رحبوا دائمًا بانضمام الآخرين إلى هذه المناسبة، لكن لماذا يتم تغييب البعد الكردي للعيد؟ هل هناك خوف من الاعتراف بأن النوروز هو عيد قومي للأكراد؟ وهل هناك محاولة لإعادة تشكيل الهوية الثقافية بشكل يخدم أجندات سياسية معينة؟ يجب أن نكون واضحين في مسألة الحقوق الثقافية والقومية، فكما تحترم الهويات الأخرى بأعيادها وطقوسها، يجب أن يحترم النوروز باعتباره عيدًا قوميًّا للكرد، لا مجرد مناسبة عامة يمكن إعادة تأطيرها وفق حسابات سياسية معينة.”
أما قاسم إسماعيل، وهو كاتب ومحلل سياسي، فقد اعتبر أن “إعادة صياغة التعميم بهذه الطريقة يحمل طابعًا سياسيًا بامتياز، فالإدارة الذاتية توجه رسالة للعالم بأنها كيان يتجاوز القومية، لكن هذا قد يخلق شرخًا داخل البيت الكردي، لأن النوروز ليس مجرد عيد، بل هو جزء من وجدان الكرد.”
إلى أين يتجه الخطاب الرسمي؟
في ظل هذه التباينات في المواقف، يبرز تساؤل جوهري: هل تسعى الإدارة الذاتية إلى إعادة تعريف الرموز القومية وصياغة هوية جديدة للأعياد في شمال وشرق سوريا؟ وهل يأتي ذلك في سياق محاولة لخلق هوية جامعة على حساب المكونات القومية؟ أم أن الأمر مجرد سهو إداري لا يحمل أبعادًا سياسية؟
مهما كانت الإجابة، فإن هذا التوجه لا يمكن فصله عن التحولات السياسية والإدارية التي تشهدها المنطقة، مما يجعل مراجعة مثل هذه الخطابات أمراً ملحاً قبل أن تتحول إلى سابقة خطيرة في طمس الهويات القومية تحت ذرائع عابرة للحدود.


