رادار سوريا | في وقت تحتاج فيه سوريا إلى خطابٍ عقلاني يُقرّ بالتعددية ويعترف بالواقع المعقّد، تُصرّ بعض المنصات الإعلامية على التمادي في لعب دور المحرض، متجاوزةً كل معايير الصحافة المهنية، ومنحازةً إلى لغة الحرب والتعبئة بدلًا من البحث عن الحقيقة. “زمان الوصل” ليست استثناءً من هذا الانحراف الخطير، بل أصبحت نموذجًا فاضحًا لكيف يمكن للإعلام أن يتحوّل من أداةٍ لنقل المعلومة إلى سلاحٍ في معركة الإلغاء والإقصاء، يوجّه فوهته ضد طرف بعينه، ويستبدل أخلاقيات المهنة بمنطق الكراهية والتحريض المباشر.
جريدة زمان الوصل. جريدة سورية مستقلة تأسست عام 2005 في مدينة حمص
ما نشرته الصحيفة مؤخرًا عن ضرورة “الضغط على الميليشيا الانفصالية لإخلاء سبيل الشبان”، لا يندرج تحت إطار الصحافة ولا حتى الرأي السياسي، بل هو ببساطة دعوة مباشرة لتوسيع رقعة العنف، وتعزيز الانقسام، وإلغاء أي صوت مخالف. أي خطاب هذا الذي يتبنّى لغة التهديد بدلاً من التحقيق الموضوعي؟ كيف يمكن لمنصة إعلامية تدّعي أنها تنقل الأخبار أن تستخدم تعابير أقرب إلى أوامر العمليات العسكرية منها إلى لغة الإعلام المسؤول؟ من يملك الحق في نزع الشرعية عن أي كيان سياسي أو إداري في سوريا؟ وهل مهمة الصحافة أن تشعل الفتنة أم أن تكشف الحقائق وتنقل الصورة بموضوعية؟
الصحافة ليست منصة للدعاية الحربية، ولا يُفترض أن تكون ناطقًا باسم أحد أطراف النزاع، بل يجب أن تكون مصدرًا محايدًا يوصل الحقيقة إلى الجمهور دون تحيّز. الصحافة المحترفة تُبنى على ميثاق شرف لا يسمح لها بتبني أجندات سياسية على حساب الواقع، ولا يمكن لها أن تساهم في شحن المجتمع ضد فئة معينة خدمةً لأهداف مشبوهة. ما تفعله “زمان الوصل” لا يمتّ بصلة إلى الإعلام الحر، بل يعيد إنتاج خطاب الإقصاء ذاته الذي جعل سوريا تغرق في سنواتٍ من الدم والدمار. كان على الصحيفة أن تتبنى نهجًا مختلفًا، يستند إلى معايير مهنية واضحة، حيث يكون دور الإعلام كشف الحقائق عبر تحقيقات موثّقة، وليس ترديد دعاية تعبّر عن موقف سياسي منحاز. من واجب الصحفي أن يسأل: لماذا يتم اعتقال هؤلاء الشبان؟ هل هناك تحقيقات قانونية شفافة؟ ما هي الممارسات المتّبعة من الأطراف المختلفة في سوريا تجاه المعتقلين؟ هذه هي الأسئلة التي ينبغي أن يطرحها الإعلام الحقيقي، لا أن يتورّط في التحريض ضد كيان معين وكأنه جزءٌ من آلة الدعاية العسكرية.
عبارة تُظهر بوضوح نية الصحيفة في تأجيج الصراع، وليس في تقديم صحافة تحقق العدالة أو تطرح الأسئلة الجوهرية. استخدام مصطلحات مثل “الضغط”، “الميليشيا الانفصالية”، “إخلاء سبيل”، كلها تعكس لغة حرب لا تمت بصلة لمبادئ الإعلام المسؤول. كيف يمكن لمن يدّعي ممارسة الصحافة أن يتجاهل المبادئ الأساسية التي تقتضي الدقة، التوازن، والمسؤولية في نقل الأحداث؟ الصحافة ليست بيانًا عسكريًا، وليست أداةً لتوجيه الجماهير نحو العنف والكراهية، بل هي مرآةٌ للحقيقة، ومساحةٌ لعرض وجهات النظر المختلفة بإنصاف وموضوعية. الصحافة النزيهة تبحث عن الحقائق في كلّ الاتجاهات، ولا تنحصر في خندقٍ واحد، بينما الإعلام المسخّر لأجندات سياسية لا يفعل سوى إعادة إنتاج لغة التطرف والعنف. عندما تصبح جريدة مثل “زمان الوصل” منصةً لتأجيج الصراع، فإنها لا تختلف في شيء عن أدوات التحريض التي تستخدمها التنظيمات المتطرفة، إذ أن جوهر خطابها مبنيّ على رفض الآخر وتبرير الاعتداء عليه.
في أي مجتمع يخرج من حربٍ مدمّرة، تكون الأولوية للإعلام المسؤول الذي يبني جسور التفاهم ويعزز ثقافة الحوار، لكن ما نراه اليوم هو نموذج فجّ لإعلامٍ منفلت من أي التزام أخلاقي، يساهم في دفع المجتمع نحو مزيدٍ من الانقسام. سوريا اليوم لا تحتاج إلى صحافة تُشعل النيران تحت الرماد، بل تحتاج إلى إعلامٍ يُخاطب الجميع، يُفسح المجال لكل الأصوات، ويبحث عن المخارج الممكنة للأزمة بدلًا من تعميقها. أين المهنية في أن تنشر صحيفة ادعاءات بلا تحقيق، وتتبنّى مواقف أحد الأطراف بشكل أعمى دون أن تكلف نفسها عناء التحقق من الحقائق؟ أين الالتزام بأخلاقيات المهنة حين يتم استخدام الإعلام كمنبر للتحريض على طرف معيّن وشيطنته؟ كيف يمكن لمنصة تدّعي الاستقلالية أن تكون بهذه الدرجة من الانحياز والتجييش؟ هذا ليس إعلامًا، بل هو امتدادٌ للبروباغندا العسكرية، وهو دورٌ يجب أن يتوقف فورًا إن أرادت “زمان الوصل” أن تبقى ضمن المشهد الإعلامي بمصداقية.
الصحافة ليست صاروخًا يُطلق ضد طرفٍ ما، وليست منشورًا تحريضيًا يهدف إلى شيطنة الخصوم، بل هي أداةٌ لكشف الحقيقة، ومنبرٌ للنقاش المفتوح، وجسرٌ بين وجهات النظر المختلفة. عندما يتحوّل الإعلام إلى أداةٍ للتحريض، فإنه لا يختلف عن أي منصة تبثّ الفتنة، وهو بذلك يشارك في هدم ما تبقى من أسس العيش المشترك. سوريا ليست بحاجة إلى مزيدٍ من الأصوات التي تدعو إلى العنف، بل إلى خطابٍ مسؤولٍ يُدرك حساسية المرحلة، ويعمل على توحيد السوريين بدلًا من زرع بذور الفتنة بينهم.
#زمان_الوصل: اعتقلت #قسد عشرات السوريين خلال الفترة الماضية بتهمة رفع العلم السوري أو السفر إلى #دمشق للمشاركة في احتفالات النصر…
لا بد من الضغط على المليشيا الانفصالية لإخلاء سبيل الشبان، خصوصًا وأنها تمنع زيارتهم ولا تحدد مكان اعتقالهم. pic.twitter.com/oYvFF4nsfI— ZAMANALWSL – زمان الوصل (@zamanalwsl) February 28, 2025