تقارير

“إنتر ميديت” البريطانية وراء تدريب الشرع سياسياً: وساطة خفية وصعود مدروس إلى الحكم

رادار سوريا – دمشق

في كشف جديد يسلّط الضوء على كواليس الدعم الغربي لتشكيل القيادة السورية الجديدة، أفادت مصادر مطلعة لـ”اندبندنت عربية” بأن منظمة “إنتر ميديت” البريطانية هي الجهة التي تولّت تدريب وتأهيل الرئيس السوري أحمد الشرع سياسياً خلال مرحلة ما قبل سقوط نظام بشار الأسد. وتُعد المنظمة واحدة من أبرز الجهات المتخصصة في الوساطة وحل النزاعات المعقّدة، وقد أسسها مستشار الأمن القومي البريطاني الحالي جوناثان باول.

“إنتر ميديت”، ومقرها لندن، تُعرّف نفسها بأنها تعمل في أكثر النزاعات العالمية تعقيداً، خاصة في الحالات التي تعجز فيها الحكومات والمؤسسات التقليدية عن التدخل الفاعل. وقد أسسها عام 2011 جوناثان باول، الذي كان يشغل سابقاً منصب كبير موظفي رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.

باول غادر المنظمة في ديسمبر 2024 بعد تعيينه مستشاراً للأمن القومي من قبل رئيس الوزراء كير ستارمر، ليتولى تنسيق ملفات السياسة الخارجية والدفاع والعلاقات الأوروبية في “10 داونينغ ستريت”.

شارك في تأسيس المنظمة أيضاً الدبلوماسي المعروف مارتن غريفيث، المبعوث الأممي السابق إلى اليمن، الذي لعب أدواراً محورية في قضايا الشرق الأوسط حتى مغادرته منصبه الأممي في منتصف عام 2024.

بحسب ما كشفه السفير الأميركي السابق لدى سوريا روبرت فورد، فإن “إنتر ميديت” لعبت دوراً مركزياً في دمج أحمد الشرع سياسياً، بعد سنوات من ارتباط اسمه بجماعات صنّفتها جهات دولية على أنها إرهابية. فورد أشار، خلال جلسة مغلقة لـ”مجلس العلاقات الدولية في بالتيمور”، إلى أنه قد دُعي شخصياً من قبل المنظمة البريطانية للانضمام إلى مساعي إعادة تأهيل الشرع، رغم تحفظاته الأولية.

وأكد فورد أنه قبل المساعدة لاحقاً، وشارك في عدد من اللقاءات السياسية غير المعلنة ضمن هذا الإطار. فيما نفت الرئاسة السورية لاحقاً هذه المزاعم، مشيرة إلى أن لقاءات فورد كانت مخصصة لتقييم تجربة إدلب مع وفود بحثية أجنبية، دون أي صفة رسمية أو سياسية.

قيادة جديدة للمنظمة… من أصول فلسطينية – يهودية

بالتزامن مع مغادرة باول، أعلنت “إنتر ميديت” عن تعيين كلير حجاج مديرة تنفيذية جديدة للمنظمة اعتباراً من ديسمبر 2024. وتُعد حجاج من الشخصيات البارزة في عالم الوساطة السياسية، وهي من أصول فلسطينية ويهودية، بدأت مسيرتها في مجلس الأمن الدولي عام 2002، وعملت على ملفات النزاع في العراق ولبنان وميانمار وأفغانستان ونيجيريا.

تشير سيرتها إلى تجربة واسعة في إدارة التفاوض والحوارات المعقدة، مما يضيف بعداً جديداً لدور المنظمة البريطانية في الصراعات الشرق أوسطية، لا سيما سوريا، حيث لعبت دور الوسيط الموثوق بعيداً من الأضواء الإعلامية.

تؤكد “إنتر ميديت” أنها لا تعمل عبر الحملات العلنية أو المؤتمرات الصحفية، بل من خلال “حوارات مجدية وسرية”، على حد وصف موقعها الرسمي. وتتبنى نموذجاً مرناً يعتمد على مجموعة صغيرة من خبراء التفاوض، يعملون بصمت على ملء الفراغات في المشهد الدبلوماسي الدولي.

المنظمة، وفق موقعها الرسمي، تسعى للاستفادة من ميزانيات الحكومات والمؤسسات الدولية، التي تُنفق مليارات الدولارات سنوياً على التدخلات الإنسانية دون الوصول إلى حلول دائمة. “إنتر ميديت” تقدم نفسها كجسر لتوجيه تلك الجهود نحو حلول سياسية طويلة الأمد.

علق الباحث في الشأن السوري تشارلز ليستر على هذا النمط من الوساطة، قائلاً: “هذه المنظمات لعبت أدواراً غير معلنة لكنها حاسمة في تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف السورية، من النظام إلى المعارضة المسلحة مروراً بقوات سوريا الديمقراطية”.

وأضاف ليستر: “كخبير شارك سابقاً في حوارات من هذا النوع، أؤكد أن هذا العمل يمهد الطريق لفهم متبادل، وتفكيك جدران العداء، ما يساهم في تحقيق اختراقات سياسية حقيقية لاحقاً”.

رفضت منظمة “إنتر ميديت” الرد على أسئلة “اندبندنت عربية” حول طبيعة دعمها لأحمد الشرع، ما يعكس سياسة الغموض التي تتبعها في جميع تدخلاتها. إلا أن هذا الدور يُعد نموذجاً على كيف يمكن أن تلعب المنظمات غير الحكومية دوراً جوهرياً في إعادة تشكيل ملامح السلطة في مناطق النزاع، دون أن تكون طرفاً مباشراً في الصراع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

رادار سوريا