رادار سوريا | في أعقاب انهيار نظام بشار الأسد، الذي كان أحد أقوى حلفاء طهران في المنطقة، تباينت المواقف الإيرانية تجاه الحكومة الجديدة في دمشق، وسط تصريحات متضاربة حول طبيعة العلاقة المستقبلية بين الطرفين. وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أوضح أن طهران تولي أهمية قصوى لتشكيل حكومة شاملة في سوريا، لكنها في الوقت ذاته ليست في عجلة من أمرها لإقامة علاقات رسمية مع الإدارة المؤقتة بقيادة الرئيس أحمد الشرع. هذا التصريح يعكس استراتيجية إيرانية حذرة تعكس عدم وضوح موقفها النهائي بشأن مستقبل النفوذ الإيراني في سوريا ما بعد الأسد.
عراقجي أكد، في تصريح نقلته وكالة “إيكانا” التابعة للبرلمان الإيراني، أن إيران تدعو للحفاظ على وحدة الأراضي السورية، كما تطالب بطرد “المحتلين الأجانب”، في إشارة مباشرة إلى إسرائيل، بينما تجاهل أي إشارة مباشرة للقوات الإيرانية المنتشرة سابقًا في سوريا. كما أشار إلى أن بلاده ستقيم علاقات مع الحكومة الجديدة، لكن توقيت ذلك لا يزال قيد النقاش، في إشارة ضمنية إلى أن طهران لم تتخذ بعد قرارًا حاسمًا بشأن كيفية التعامل مع السلطات الجديدة.
الموقف الإيراني الحالي يأتي في سياق اعترافات داخلية نادرة بخسارة استراتيجية في سوريا. الجنرال الإيراني بهروز إسباتي أقر، في تصريحات غير معتادة، بأن إيران تعرضت “لضربة كبيرة” في سوريا، وهو ما يتناقض مع الخطاب الرسمي الذي سعى إلى التقليل من تأثير هذه الخسارة. هذا التغيير في اللهجة يؤكد أن طهران باتت تدرك أن الديناميكيات على الأرض لم تعد تصب في مصلحتها كما في السابق، خصوصًا مع صعود قوى سياسية جديدة في دمشق تسعى إلى إعادة صياغة العلاقات الإقليمية وفق توازنات مختلفة.
في المقابل، كان موقف الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع واضحًا فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران، إذ شدد في أكثر من مناسبة على أن “الشعب السوري مجروح من الإيرانيين”، مؤكدًا أن سوريا لن تكون ممرًا للأسلحة الإيرانية، ولن تصدر التوتر إلى أي دولة أخرى. هذه الرسائل تعكس تحولًا جذريًا في سياسات دمشق الجديدة، بعيدًا عن التحالفات التقليدية التي رسخها الأسد لعقود. كما أعلن الشرع عن رغبته في بناء علاقات تقوم على الاحترام المتبادل مع جميع دول الجوار، بما في ذلك إيران، وهو ما يعني أن أي تقارب بين الطرفين سيخضع لشروط جديدة تتجاوز إطار المصالح الإيرانية في سوريا.
التباين في التصريحات الإيرانية وعدم استعجال طهران في الاعتراف بالحكومة الجديدة يعكس واقعًا أكثر تعقيدًا مما يبدو على السطح. إيران، التي كانت حتى وقت قريب صاحبة نفوذ عسكري وسياسي واسع في سوريا، تجد نفسها اليوم في موقع المراقب، وسط معادلة جديدة تحكمها المتغيرات الداخلية والإقليمية. وبينما تسعى دمشق إلى إعادة بناء علاقاتها الدولية، يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع طهران إعادة تموضعها في سوريا الجديدة دون أن تخسر المزيد من نفوذها الإقليمي؟
إيران والمشهد السوري الجديد: بين الحذر الدبلوماسي وإعادة التموضع
