آراء

الاستثمار في صحة النساء والمواليد ضمان لغد مشرق

هناك مأساة تتكرر في عالمنا هذا كل سبع ثوان، إذ نفقد امرأة أو مولوداً جديداً، أو طفلاً نتيجة الإملاص. وبالنسبة للكثيرين، فلا تزال الولادة تمثل تجربة خطيرة تنطوي في كثير من الأحيان على تهديد للحياة.

وتمتد المخاطر المحتملة أثناء الحمل والولادة لتشمل الأمهات والرضع على حد سواء. وقد ينشأ عن المضاعفات المصاحبة لهما نزيف حاد، أو إصابة بالعدوى، أو ارتفاع في ضغط الدم، أو تعسُّر للولادة، أو الولادة قبل الأوان، أو الإصابة بالضائقة الجنينية، وتلك مجرد صور لما يمكن أن يحدث من مضاعفات. ولهذا السبب، تحتاج جميع الأمهات والرضع إلى الحصول على رعاية صحية جيدة قبل الولادة، وأثناءها، وبعدها.

ومما يبعث على الأسى أن إقليم شرق المتوسط متأخرٌ كثيراً عن سائر أقاليم العالم فيما يتعلق بصحة الأمهات وحديثي الولادة.

ففي كل عام، يولد حوالي 20 مليون طفل في هذا الإقليم، ولكن يموت نصف مليون منهم قبل أن يكملوا شهرهم الأول. ويقع أكثر من 80 في المائة من وفيات المواليد في ستة بلدان (أفغانستان وجيبوتي وباكستان والصومال والسودان واليمن). علاوة على ذلك، نشهد كل عامٍ وقوع ما يقرب من 400 ألف حالة إملاص.

ولدينا مأساة أخرى تتمثل في زيادة معدل وفيات الأمهات أثناء الولادة على ضعف الهدف العالمي المحدد لعام 2030 في بعض أوضاع الطوارئ، في حين تتجاوز معدلات وفيات الأمهات في بعض البلدان 600 حالة وفاة لكل 100 ألف مولود حي.

ويمكن الوقاية من العديد من الأسباب الشائعة لوفيات الأمهات والمواليد وتدبيرها علاجيّاً، إلا أن عدم توفر الرعاية الصحية على نحوٍ منصفٍ، خصوصاً في الأوضاع الهشة أو المتأثرة بالنزاعات أو النزوح، يعوق تحقيق التقدم المطلوب.

ولكن لا ينبغي أن يظل الأمر كذلك. فنحن نعلم ما يتعين علينا عمله. فمن خلال تعزيز الاستثمار في الرعاية الصحية الأولية ذات الجودة، وخدمات القبالة، والرعاية الصحية الإنجابية، نستطيع إنقاذ الأرواح، ودعم الاقتصادات، وبناء مجتمعات أكثر قدرة على الصمود.

وتشير الأبحاث التي أُجريت في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط إلى العائد الكبير على الاستثمار: إذ إن كل دولار أمريكي يُستثمر في توسيع نطاق الرعاية الأساسية للتوليد والمواليد في الحالات الطارئة يعطي عوائد اجتماعية واقتصادية تصل إلى 87 دولاراً أميركيّاً.

لذا، فإن الاستثمار في صحة الأمهات والمواليد لا يُسهم وحسب في إنقاذ الأرواح، بل يعمل أيضاً على تعزيز المجتمعات والاقتصادات، ويفتح آفاقاً لمستقبل مشرق.

وفي حين تكتسي زيادة التمويل المحلي أهمية بالغة، فإن المساعدات الدولية تضطلع بدور جوهري في الأوضاع المتأثرة بالنزاعات، إذ تساهم في ضمان استمرار الحصول على الخدمات الحيوية المنقذة للأرواح.

وفي الشهر الماضي، أصدر فريق الأمم المتحدة المشترك بين الوكالات المعني بتقدير وفيات الأطفال تحذيراً صارخاً مفاده أن عقوداً من التقدم في الحد من وفيات الأطفال وحالات الإملاص مهدَّدة بالضياع مع إعلان الجهات المانحة الدولية الرئيسية خفض المساعدات الإنمائية Levels and trends in child mortality – UNICEF DATA.

وسوف تؤثر هذه التخفيضات تأثيراً غير متناسب على الفئات السكانية الأكثر ضعفاً في العالم، ومنها النساء والأطفال في إقليم شرق المتوسط.

وبينما نواجه هذه التحديات، أصبحت الحاجة إلى الالتزام المستدام برعاية صحة الأمهات والمواليد أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.

وتهدف شراكة كل امرأة وكل مولود في كل مكان، التي تقودها منظمة الصحة العالمية واليونيسف وصندوق الأمم المتحدة للسكان، إلى تقديم حُزم تدخلات حاسمة وعالية التأثير من أجل الحد بشكل كبير من وفيات النساء الحوامل والأمهات الجُدُد والمواليد، والوقاية من حالات الإملاص.

ويتطلب ذلك تغطية واسعة النطاق بالتدخلات المنقذة للحياة أثناء الحمل والولادة والأسابيع الأولى بعد الولادة، إلى جانب ضمان جودة الرعاية وإنصافها، والتركيز على رعاية صغار المواليد والمواليد المرضى والنساء اللاتي يعانين من مضاعفات أثناء الولادة.

ومن خلال هذه المبادرة وغيرها من المبادرات، نستطيع أن نتحد معاً للاستثمار في منح نسائنا ومواليدنا بدايات صحية ومستقبلاً واعداً لنا جميعاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

رادار سوريا