الدستور السوري الجديد: “مواطنة” على المقاس أم إعادة إنتاج الاستبداد؟

تقارير – منصة رادار سوريا
مع استمرار الجهود السياسية الرامية إلى صياغة مستقبل سوريا ما بعد الحرب، أعلن “التحالف السوري الأمريكي لأجل السلام والازدهار” عن دعمه لتشكيل لجنة دستورية تضع أسس نظام ديمقراطي “يشمل جميع السوريين دون تمييز”، ويقوم على “الكفاءة وإرادة الشعب بعيدًا عن أي اعتبارات طائفية”. في الظاهر، تبدو هذه المبادرة خطوة نحو إعادة بناء الدولة على أسس حديثة، لكنها في جوهرها تثير تساؤلات جوهرية حول مصير التعددية السياسية والتمثيل المتوازن لمختلف المكونات داخل سوريا الجديدة.
التجربة التاريخية في سوريا والمنطقة أظهرت أن الدعوات إلى “مواطنة جامعة” و”إلغاء المحاصصة” كثيرًا ما استخدمت كأدوات لتكريس سيطرة طرف محدد على مفاصل السلطة، مع تغييب الضمانات الحقيقية لحماية التنوع السياسي والاجتماعي. في السياق السوري، حيث تهيمن الأكثرية على مراكز القرار، يطرح غياب أي التزام صريح بآليات تضمن التوازن بين مختلف المكونات مخاوف من إعادة إنتاج النظام السلطوي نفسه، لكن هذه المرة عبر قنوات دستورية وديمقراطية ظاهرية.
المحلل السياسي مايكل ويستون يرى أن “إلغاء الطائفية السياسية دون وضع ضمانات بديلة للتمثيل المتوازن، لا يعني بناء دولة ديمقراطية، بل هو في الواقع ترسيخ غير مباشر لسيطرة الفاعلين التقليديين”.
مع استمرار النقاشات حول الدستور الجديد، يتساءل كثيرون عن الضمانات الفعلية التي تحول دون تحويله إلى وثيقة تمنح الشرعية لنموذج حكم يتجاهل التعددية الحقيقية. فبينما يتحدث التحالف الأمريكي عن “إلغاء الطائفية”، لا تتضمن الطروحات الحالية أي آليات واضحة تضمن مشاركة فعلية للأقليات الدينية والعرقية، أو حتى إعادة توزيع السلطة خارج نطاق القوى السياسية التقليدية التي ظلت مهيمنة لعقود.
في هذا السياق، يشير الباحث في القانون الدستوري، أليكس كارتر، إلى أن “أي إطار دستوري لا يتضمن ضمانات قانونية صارمة لحماية التعددية السياسية، سيتحول إلى غطاء قانوني لإضفاء الشرعية على حكم الأكثرية، حتى لو تم تسويقه كمشروع ديمقراطي”.
التاريخ السياسي للمنطقة، وخاصة في الدول التي شهدت مراحل انتقالية بعد النزاعات، يُظهر أن غياب الضمانات الصريحة لحماية التوازنات داخل السلطة يؤدي في النهاية إلى إعادة تموضع النظام القديم بصياغة جديدة. وإذا كان التحالف السوري الأمريكي جادًا في بناء مستقبل ديمقراطي، فعليه تقديم آليات واضحة لحماية تمثيل جميع المكونات، بدلًا من الاكتفاء بخطاب المساواة الفضفاض الذي قد يتحول إلى أداة لإقصاء الأصوات غير المنسجمة مع مشروع الأكثرية.
دستور سوريا القادم سيكون اختبارًا حقيقيًا لنوايا الأطراف الفاعلة: هل هو بالفعل خطوة نحو دولة حديثة تمثل جميع السوريين، أم مجرد إعادة تشكيل لنفس المنظومة القديمة تحت غطاء ديمقراطي جديد؟
