رادار سوريا – دمشق
في أحدث جولة من حرب السرديات على المشهد السوري، تناقلت منصات إعلامية متعددة خبرًا منسوبًا إلى “مصدر مسؤول في الحكومة السورية” “رفض الكشف عن اسمه” يفيد بأن كونفرانس وحدة الموقف لمكونات شمال وشرق سوريا شكّل “ضربة لجهود التفاوض الجارية”، وأن الحكومة لن تشارك في الاجتماعات المقررة في باريس.
الخبر، الذي نشرته وكالة الأنباء الرسمية سانا، قدّم نفسه على أنه موقف رسمي، لكنه اتكأ على صيغة فضفاضة مألوفة: “مصدر مسؤول”، وهي أداة شائعة في صناعة الأخبار الموجهة، خصوصًا في الملفات الحساسة، لإيصال رسائل سياسية دون تبنيها بشكل مباشر، وفتح المجال للمناورة والإنكار لاحقًا.
البيان المقتبس من “المصدر” تضمّن خطابًا سياسيًا مكثفًا ضد الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، واتهامات لها بخرق اتفاق 10 آذار، و”استضافة شخصيات انفصالية”، و”تنفيذ سياسات تغيير ديمغرافي”، وصولًا إلى التحذير من محاولات “إحياء عهد النظام البائد” و”تقسيم سوريا قبل الاستقلال”. الرسائل المضمّنة في النص تعكس بوضوح معركة سيطرة على السردية، حيث يوظَّف الخبر لإظهار دمشق في موقع الحامي للوحدة الوطنية، مقابل تصوير خصومها كأدوات خارجية.
الردود تكشف روايات مضادة
لم يمر النشر دون ردود ناقدة. الصحفية Lacy MacAuley، في تعليق على منصة “X”،
اعتبرت أن المصدر وكالة سانا هو بحد ذاته طرف غير نزيه، وادعت أن الجهة التي تدير الوكالة “شخصيات كانت العام الماضي جزءًا من تنظيمات متطرفة”. كما ربطت الموقف التركي برفض مشاركة دمشق في اجتماعات باريس، مؤكدة أن السبب الحقيقي يعود إلى استبعاد فرنسا لتركيا من المفاوضات، معتبرة كل ما سواه “غطاء إعلامي.
Your source is SANA, the Syrian state news source, which is run by shadowy figures who last year were Syrian Al Qaeda. This is the only thing anyone needs to know.
Turkey doesn’t want the Damascus government to meet in Paris because the French have excludes Turks from the talks.…
— Lacy MacAuley (@lacymacauley) August 9, 2025
في السياق نفسه، كتب الكاتب والمحلل السياسي السوري محمد هويدي:
حين تسمعون عبارة مصدر حكومي في السلطة الانتقالية، لا تبحثوا عنه في دمشق… ابحثوا عنه في أنقرة. فالمصدر الحقيقي هو رئيس غرفة الاستخبارات التركية، وهي من تتحدث باسم السلطة الانتقالية، خصوصًا في ملف قسد والكرد.
حين تسمعون عبارة مصدر حكومي في السلطة الانتقالية، لا تبحثوا عنه في دمشق … ابحثوا عنه في أنقرة.
فالمصدر الحقيقي هو رئيس غرفة الاستخبارات التركية، وهي من تتكلم باسم السلطة الانتقالية ، خصوصا في ملف قسد والكرد. pic.twitter.com/CC3azUwRg9— محمد هويدي (@MohammedHawaidi) August 9, 2025
هذه الواقعة تبرز كيف تُستخدم منصات الأخبار الرسمية وشبه الرسمية لتوجيه الرأي العام، وصياغة سردية سياسية تستهدف الخصوم وتؤثر على مسارات التفاوض. كما تعكس حجم التعقيد في المشهد السوري، حيث تتقاطع الأجندات المحلية والإقليمية والدولية في صناعة المعلومة، ويتحول الخبر إلى أداة ضغط بقدر ما هو وسيلة إعلامية.
في ظل هذا المشهد، تبقى حقيقة الموقف الرسمي رهينة تضارب الروايات، ويبقى السؤال: هل نحن أمام سياسة اتصال شفافة، أم إدارة ممنهجة للفوضى الدعائية من خلف الأبواب المغلقة؟