آراء

المجازر تُحاصر الجولاني وتُنذر بزوال نفوذه-الجولاني تحت الاختبار

مناف محفوض – كاتب ومحلل سياسي
وضعت المجازر التي شهدتها سوريا، وخاصة في مناطق الساحل، أبو محمد الجولاني، زعيم “هيئة تحرير الشام”، أمام اختبار مصيري. فقد أشارت هذه الأحداث إلى اقتراب نهاية دوره السياسي والعسكري في المشهد السوري. وفي محاولة لاحتواء الأزمة، لجأ الجولاني إلى معالجة الملفات الداخلية، متخذاً قرارات جذرية لتغيير هويته السياسية والعسكرية، حيث عمل على تحييد جذوره المرتبطة بتنظيم “القاعدة”، بل وذهب أبعد من ذلك بانقلابه على حلفائه من الفصائل المدعومة تركياً، سعياً لإعادة تموضعه في المعادلة السورية.
-محاولات “قسد” والتحالف لوقف المجازر:
في المقابل، حاولت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بدعم من قائدها العام (الجنرال مظلوم عبدي)، وقف نزيف المجازر في الساحل عبر توفير حماية من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. لكن هذا الدعم جاء بشروط واضحة، أهمها أن تكون جميع الأطراف على مسافة متساوية من مفهوم “الدولة” السورية المستقبلية. وبهذا، يمكن توحيد الجهود لمواجهة الإرهاب تحت راية هذه الدولة. لكن عدم ثقة الأطراف المحلية والدولية في الجولاني جعل من الضروري إشراك طرف موثوق، وهو “قسد”، كلاعب رئيسي في محاربة الإرهاب.
-اتفاق مشروط وفرض أمريكي-إسرائيلي:
تم التوصل إلى اتفاق مع الجولاني وفق شروط “قسد”، وبضغط أمريكي-إسرائيلي فرض رغماً عن إرادة تركيا وفصائلها. وفي خطوة لافتة، اعترف الجولاني وجماعته علناً بمسؤوليتهم عن المجازر التي طالت الساحل والأقليات، في محاولة لتقديم تنازلات تُظهر رغبتهم في التكيف مع الواقع الجديد. كما تم تحويل مسميات الفصائل الموالية لهم إلى “فلول النظام”، وهو عنوان يُمهد لحرب قادمة ضد الإرهاب، تقودها دولة مكونة من “قسد” وأطراف أخرى، بما فيها الجولاني كجزء مؤقت خلال المرحلة الانتقالية، بدعم من التحالف الدولي الذي يُركز دعمه على “قسد”.
-تحولات مستقبلية في المفاهيم والأسماء:
تشير التطورات إلى أن المرحلة القادمة ستشهد تغييراً جذرياً في المفاهيم والتسميات السياسية والعسكرية في سوريا. ومن المتوقع أن تتشكل حكومة برعاية دولية تتمتع بصلاحيات واسعة، مع تخفيف العقوبات الاقتصادية عنها تدريجياً، مما يعزز من قدرتها على إدارة المرحلة الانتقالية.
-الساحل: الجغرافيا الأكثر أهمية:
يُعد الساحل السوري المنطقة الجغرافية الأكثر أهمية في البلاد، نظراً لموقعه الاستراتيجي واقتصاده الحيوي. ومع انتقال هذه المنطقة تدريجياً إلى الرعاية الدولية عبر التحالف، يُخطط لتشكيل فصائل محلية من أبناء الساحل، على غرار النواة التي بدأت بها “قسد” في الشمال الشرقي. هذه الفصائل ستخضع لمراقبة دولية صارمة لمنع أي انجرار نحو الصراع الداخلي بدعم من إيران أو “حزب الله”. وفي حال أثبت الساحل ابتعاده التام عن محور طهران، فقد يحظى باهتمام دولي متزايد، قد يقود إلى إقامة إقليم إداري مستقل أو فيدرالية، ليصبح منطقة نشاط تجاري حرة تُعزز دوره الاقتصادي.
-نهاية مرحلة وبداية أخرى:
يبدو أن الجولاني، الذي حاول المناورة بين خياراته المحدودة، قد وصل إلى مفترق طرق. فالمجازر وضعته تحت ضغط داخلي وخارجي، بينما يتقدم مشروع “الدولة” الجديدة بقيادة “قسد” والتحالف الدولي. ومع تحول الساحل إلى منطقة ذات إشراف دولي، تتجه سوريا نحو مرحلة جديدة قد تُعيد تشكيل خريطتها السياسية والجغرافية بشكل جذري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

رادار سوريا