ترخيص الإعلام في سوريا: جباية مقنّعة ولوائح تعجيزية تخنق حرية التعبير

رادار سوريا – دمشق
كشفت وزارة الإعلام السورية عن تفاصيل جديدة تتعلّق بشروط ترخيص قناة تلفزيونية داخل البلاد، وسط موجة من الانتقادات المتصاعدة من الأوساط الإعلامية والمراقبين، الذين اعتبروا هذه الشروط امتدادًا لنهج التضييق والهيمنة على الفضاء الإعلامي، لا خطوة نحو تنظيمه أو تطويره.
وتلزم اللوائح الرسمية أي جهة راغبة في إطلاق قناة تلفزيونية بدفع رسوم ترخيص تصل إلى 20 ألف دولار أميركي، إضافة إلى اشتراطات إدارية معقدة تشمل تعيين مجلس إدارة من حملة الشهادات الجامعية، وتوفير مقر لا تقل مساحته عن 160 متراً مربعاً، وكادر فني وإداري متكامل، إلى جانب وثائق إثبات ملكية أو استئجار، ونظام داخلي، وشعار رسمي للقناة.
غير أن المقارنة مع القوانين الإعلامية السائدة في دول المنطقة والعالم تضع هذه الاشتراطات السورية في خانة الاستثناء المُرهق. ففي غالبية الدول، لا تتجاوز رسوم ترخيص القنوات والمنصات الإعلامية مبلغ 100 دولار، وقد تكون مجانية تماماً في بعض الحالات، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمبادرات إعلامية غير ربحية أو مشاريع إعلامية ناشئة. فالغرض من هذه القوانين في الدول المتقدمة أو المتوازنة إداريًا هو التنظيم عبر الإخطار، أي مجرد تسجيل نشاط الجهة الإعلامية لدى السلطات، دون التدخل في تركيبتها أو فرض شروط مالية مرهقة.
وتؤكد التجارب الدولية أن الدولة لا يجب أن تكون شريكًا في النشاط الإعلامي من حيث التفاصيل أو رأس المال، بل جهة ضامنة لحرية التعبير وفق القانون، ومراقِبة للأداء في حال وجود مخالفات فعلية، لا مستبقة على أساس الافتراض. أما ما يحدث في سوريا، فهو تحوّل الرخصة من إجراء تنظيمي بسيط إلى أداة سيطرة سياسية وإدارية واقتصادية، تُقصي من لا يملك رأس المال أو من لا يندرج ضمن الشبكات المقرّبة من السلطة.
كما أن مفهوم الترخيص الإعلامي في كثير من الدول بات يتلاشى تدريجياً مع التحولات الرقمية، حيث أصبح الاكتفاء بالإخطار الإلكتروني أو تسجيل بسيط كافيًا لتأسيس مؤسسة إعلامية، دون الحاجة إلى إشراك السلطات في كل خطوة، أو فرض رسوم توازي ميزانيات التشغيل. وهو ما يطرح علامات استفهام حول مدى جدية الحكومة السورية في اللحاق بالمعايير الحديثة التي تدعم الابتكار وتحرّر الصحافة من الهيمنة البيروقراطية.
وفي ظل هذه السياسات، تبقى البيئة الإعلامية السورية بيئة خانقة، محكومة بمنظور أمني-بيروقراطي يعتبر الإعلام “نشاطًا خطيرًا” ينبغي تطويعه وتحجيمه، بدلاً من دعمه كرافعة مجتمعية تضمن التنوع والرقابة والمساءلة.



