سوريا أمام معادلة نقدية غير مألوفة: هل يتحول الدولار إلى سلعة في السوق السورية؟

رادار سوريا | في تحوّل غير مسبوق في المشهد النقدي السوري، بات سعر الصرف الرسمي للدولار الأميركي في المصرف المركزي السوري أعلى من نظيره في السوق الموازية. هذه المفارقة، التي تتحدى القواعد الاقتصادية التقليدية، تثير تساؤلات حاسمة حول دوافعها وأثرها على مستقبل الاقتصاد السوري في مرحلة ما بعد سقوط النظام السابق.
على مدى أكثر من عقد، خضعت الليرة السورية لمسار انهياري متسارع بفعل الأزمات السياسية والعقوبات الغربية والاضطرابات الأمنية، لكن التحولات الأخيرة تشير إلى نمط جديد غير مألوف في حركة سعر الصرف. منذ ديسمبر 2024، سجلت الليرة انهيارًا قياسيًا بعد سقوط نظام الأسد، حيث تراجعت بنسبة 42% خلال 24 ساعة لتصل إلى 22 ألف ليرة للدولار الواحد، قبل أن تبدأ رحلة تعافٍ مفاجئة، استقرت عند 13 ألف ليرة في السوق السوداء والمصرف المركزي على حد سواء. لكن خلال الأسبوع الماضي، ظهرت تقلبات حادة دفعت قيمة الليرة إلى نطاق يتراوح بين 7500 و9500 ليرة للدولار في السوق الموازية، بينما أبقى المصرف المركزي السعر الرسمي ثابتًا عند 13 ألف ليرة.
التحليل الأولي لهذه الظاهرة يكشف أن السياسة النقدية الجديدة في دمشق تميل إلى تبني منهج أكثر تحررًا في تداول العملات الأجنبية. السماح بالتعامل بالدولار بشكل علني، على عكس السياسات التقييدية التي انتهجها النظام السابق، أدى إلى تدفق كميات كبيرة من النقد الأجنبي إلى السوق، خاصة مع عودة أعداد كبيرة من المغتربين السوريين، ورفع القيود المفروضة على التداول الحر للعملات.
الباحث الاقتصادي عصام تيزيني يرى أن السياسة النقدية تلعب دورًا ثانويًا أمام تأثير المتغيرات السياسية والعسكرية، حيث ارتبط تحسن الليرة في الأيام الماضية بتطورات سياسية إيجابية، أبرزها الرفع الجزئي للعقوبات الدولية، إضافة إلى حالة من التفاؤل السياسي الذي يعكسه الانفتاح الجديد تجاه الإدارة المؤقتة في دمشق. في المقابل، يرى اقتصاديون آخرون أن التأخير في صرف رواتب الموظفين الحكوميين، وإجراءات تقليص السيولة من قبل المصرف المركزي، ساهمت في تقليص الطلب على الدولار، ما منح الليرة مساحة للتحسن في السوق السوداء.
رغم ذلك، لا يزال المشهد النقدي محكومًا بعوامل مضارباتية، حيث تلعب مجموعات مالية، يُعتقد أنها مرتبطة بفلول النظام السابق، دورًا في تحريك سعر الصرف من خلال ضخ كميات من الليرة في السوق لشراء الدولار، في محاولة لتهريب رؤوس الأموال إلى الخارج. في الوقت نفسه، فإن امتناع المصرف المركزي عن بيع أو شراء الدولار وفق نشرة الأسعار الرسمية، يترك السوق الموازية لتتحكم بمسار الصرف، مما يعزز الفجوة بين السعرين الرسمي وغير الرسمي.
الأسئلة المطروحة اليوم تتجاوز حدود الاقتصاد التقليدي، لتصل إلى أبعاد سياسية عميقة: هل يشير تحسن الليرة إلى استقرار اقتصادي حقيقي، أم أنه مجرد انعكاس لتكتيكات نقدية مؤقتة تهدف إلى ضبط الأسواق خلال مرحلة انتقالية معقدة؟ وهل سيؤدي السماح بتداول الدولار بحرية إلى استقرار طويل الأمد، أم أنه يمهد لموجة جديدة من التقلبات النقدية التي قد تعيد الاقتصاد السوري إلى حالة الفوضى؟

Exit mobile version