آراء

تأملات في المشهد السوري

تنويه: الآراء الواردة في هذا المقال تعود إلى كاتبها ولا تعبّر بالضرورة عن موقف منصة رادار سوريا أو توجهاتها التحريرية.

إسرائيل، السلفية الجهادية، وملامح شرق أوسط جديد بعد الأسد

شؤون كثيرة وشجون يستحضرها المشهد السوري باستمرار عند محاولة تفكيكه وفهمه ورسم فضاء التأمل فيه.
فقد شكّل سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول 2024 تحوّلًا دراماتيكيًا حادًا أحدث اختلالًا استراتيجيًا بنيويًا في المنطقة، لجهة بروز تكوينات سياسية جديدة متمثلة في هيئة تحرير الشام، وتغيّر الوزن الاستراتيجي النسبي لقوى قديمة على الأرض، كـقوات سوريا الديمقراطية في شرق الفرات، إضافة إلى قابلية إعادة التموضع للقوى الأجنبية الفاعلة على الأرض السورية (تركيا – روسيا – الولايات المتحدة)، وزوال الوجود الإيراني تمامًا، ضمن جملة من التغييرات التي تستدعي إعادة قراءة وتعريف لخريطة القوى والتحالفات في المنطقة إجمالًا.

على المستوى الإيديولوجي، شكّل وصول السلفية الجهادية ممثلة بـهيئة تحرير الشام إلى سدة الحكم في سوريا انتصارًا نضاليًا لافتًا في مسار السلفية التاريخي، مبشّرًا أتباعها بإمكانية تحقق حلم الخلافة الإسلامية، مما أثار مخاوف الأنظمة السياسية للدول المجاورة، بالنظر إلى التاريخ الجهادي العنيف للهيئة في العراق وسوريا، ولما تحمله أيديولوجيتها من هوية عابرة للدول، علاوة على حالة القبول الإسلامي الواسعة التي حظيت بها بعد نجاحها في الاستيلاء على دمشق.
وهذا ما حدا بدول الإقليم إلى النظر إليهم بتوجس والتعامل معهم بحذر قلق، سواء كانت الأردن أو لبنان أو حتى مصر والإمارات العربية المتحدة، نظرًا لما يحفل به تاريخ هذه الدول من اضطرابات أحدثتها التنظيمات الإسلامية في العقود الأخيرة من تاريخ المنطقة.

التحولات الكبرى في الموقف الإسرائيلي

في مراجعتنا للموقف الإسرائيلي ومراحل تطور الهاجس الأمني في المدارك السياسية الإسرائيلية تجاه سوريا والمنطقة عمومًا، يمكن أن نقرأ خلفيات السلوك السياسي والعسكري الإسرائيلي تجاه سوريا منذ لحظة سقوط النظام وحتى اليوم.
إذ لا يخفى أن سوريا شكّلت، ولا تزال، أحد أخطر التهديدات في الوعي السياسي الإسرائيلي منذ أربعينيات القرن الماضي. وقد تفاقم هذا التهديد منذ الانقلاب الذي قاده حافظ الأسد عام 1970، حيث بدأ المنظور الأمني الإسرائيلي يتخذ شكلًا أكثر نضجًا.
ولذلك سعت إسرائيل إلى محاصرة النظام في دمشق والضغط عليه، كما يقول باتريك سيل في مقالته (الصراع على سوريا يتجدد – 2005):

“من نافلة القول أن إسرائيل سوف ترحب باستمرار بالضغط الأمريكي على النظام في دمشق، وسترحب كذلك بأي فوضى قد تعقب الإطاحة بهذا النظام. إن إضعاف سوريا سوف يخلق فرصًا أمام إسرائيل في لبنان، وفي الوقت نفسه سوف يقوّي موقفها في أي اتفاق مستقبلي مع سوريا.”

الآن، وبعد سقوط نظام بشار الأسد، ازداد النشاط العسكري الإسرائيلي في سوريا، واستولى الجيش الإسرائيلي على المنطقة العازلة التي كانت تحت رقابة الأمم المتحدة منذ عام 1973، ودمّر جميع أسلحة الجيش السوري، ضمن تكتيك توسيع الأحزمة الأمنية الذي انتهجته إسرائيل بعد حرب غزة 2023.

تحديات إسرائيل في سوريا الجديدة

برزت تحديات جديدة أمام إسرائيل، أبرزها:

1. الإدارة السلفية الجديدة
الرئيس المؤقت أحمد الشرع، المعروف سابقًا بـ”الجولاني”، لا يحظى بثقة إسرائيل.
فالهوية الجهادية لإدارته تُعدّ غير براغماتية، وقد تنقلب على أي اتفاق ضمن تغيّر المعطيات.
كما برزت قدرات التجييش الطائفي في مجازر الساحل (آذار 2025)، ما ضاعف المخاوف من استقرار هش في دمشق.

2. الطموح التركي في سوريا
تسعى تركيا إلى السيطرة على سوريا سياسيًا وأمنيًا بعد انسحاب إيران، مع توغلات تهدد التوازن الإقليمي.
تقرير إسرائيلي صدر في كانون الثاني 2025 حذر من محاولة أنقرة جعل الجيش السوري “وكيلاً عثمانيًا”.
وقد ردّت إسرائيل بقصف مواقع تركية في تدمر والشمال والساحل، مؤكدة أن وجود أنقرة جنوب الفرات خط أحمر.

إعادة رسم الخريطة: بين الفدرلة والتفتيت

ترى إسرائيل في حكومة الشرع كيانًا سياسيًا غير ناضج وغير موثوق. ولهذا تضغط على واشنطن لإبقاء العقوبات الاقتصادية قائمة، وتستبعد دمشق من أي مفاوضات فعلية.
في المقابل، تسعى إلى إعادة تشكيل سوريا عبر دعم مشاريع الفدرلة أو التقسيم السياسي، بما يخلق كيانات غير متجانسة، ضعيفة الصلة بالمركز، وتشكّل محيطًا أمنيًا أكثر ملاءمة للمصالح الإسرائيلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

رادار سوريا