من السلاح إلى السياسة: هل طُويت صفحة حزب العمال الكردستاني؟

تنويه: الآراء الواردة في هذا المقال تعود إلى كاتبها ولا تعبّر بالضرورة عن موقف منصة رادار سوريا أو توجهاتها التحريرية.
في تطور قد يُعيد رسم ملامح العلاقة المعقدة بين تركيا والقوى الكردية، طرح الباحث في الشأن التركي سونر چاغاپتاي تصوراً لمرحلة جديدة تتجاوز عقوداً من الصراع المسلح، مشيراً إلى أن حزب العمال الكردستاني قد دخل فعلياً في طور الانحسار، مع بدء ترتيبات سياسية وأمنية تشمل أجنحته في تركيا وسوريا والعراق.
بحسب التحليل، يجري العمل على تسوية متعددة الأبعاد، تتضمن منح الزعيم المؤسس عبد الله أوجلان إقامة جبرية بعد أكثر من ربع قرن في السجن، في مقابل إنهاء العمل المسلح من جانب الحزب، ودمج جناحه السياسي, حزب الشعوب الديمقراطي (DEM) في الحياة العامة، من خلال إعادة رؤساء البلديات الذين أُقصوا سابقاً، وتوسيع مشاركة الحزب في الإدارة المحلية.
المعادلة التي تسعى أنقرة لفرضها لا تتوقف عند الداخل التركي. بل تمتد إلى شمال شرق سوريا، حيث تقود وحدات حماية الشعب (YPG)، المتهمة من أنقرة بكونها امتداداً لحزب العمال الكردستاني، قوات سوريا الديمقراطية (SDF). السيناريو المطروح، وفق چاغاپتاي، هو إدماج هذه القوى ضمن النظام السوري المحلي بعد إعادة تسميتها، وتمكينها من المشاركة في الانتخابات، على غرار دمج حزب DEM في تركيا.
لكن العقبة الأبرز تتمثل في القيادة التاريخية المتشددة لحزب العمال والمتمركزة في جبال قنديل، والتي ما تزال تميل إلى مواصلة العمل المسلح وترى في التسوية نوعاً من التراجع الاستراتيجي. ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن القيادة قد تقبل بعفو مشروط في المنفى، حفاظاً على إرثها الرمزي، حتى وإن أبدى البعض استعداداً للمقاومة المسلحة بشكل منفصل.
من جهة أخرى، تُعرض على مقاتلي الصف الثاني الذين تتعرض مواقعهم في العراق لهجمات تركية متواصلة تسوية تقوم على وقف القتال مقابل العيش دون ملاحقة قانونية. ويُعتقد أن فئة كبيرة من هؤلاء ستنضم إلى هذه المبادرة، ما يُضعف البنية العسكرية للحزب ويُسرّع في انتقاله إلى مرحلة ما بعد السلاح.
في السياق ذاته، يلفت چاغاپتاي إلى الدور الأميركي الحرج، إذ يقع على واشنطن مسؤولية دعم أنقرة في عزل العناصر المتشددة من YPG دون التفريط بتحالفها مع قوات سوريا الديمقراطية التي شكّلت رأس الحربة في معارك التحالف الدولي ضد داعش. ويقترح استخدام آلية “القائمة الرمادية” التركية كأداة تصنيف تحدد الجهات القابلة للدمج من تلك التي تُعدّ تهديداً فعلياً.
رغم الإشارات المتزايدة إلى تراجع حزب العمال الكردستاني كفاعل مسلح، إلا أن التساؤلات تبقى مطروحة حول مدى صلابة هذا التحول، وعمّا إذا كان يمثل نهاية فعلية للصراع، أم مجرد إعادة تموضع مؤقت في سياق إقليمي متقلّب. غير أن ما يبدو مؤكداً هو أن مرحلة ما بعد الحزب، سواء كمنظمة مسلحة أو كعنوان نضالي تقليدي، قد بدأت تفرض نفسها على الطاولة.

