التطهير العرقي للطائفة العلوية على الساحل السوري مستمر وسط صمت دولي

ريان معروف – كاتب ومحلل سياسي

تتواصل حملات التطهير العرقي ضد العلويين في الساحل السوري في ظل صمت دولي مريب وعجز عن وقف هذه الجرائم التي تستهدف المدنيين العزل. منذ أيام، شهدت المنطقة تصعيدًا خطيرًا مع تحرك أرتال ضخمة تضم آلاف المركبات وما يقارب مئتي ألف مسلح منتمين إلى تنظيمات متطرفة، أبرزها هيئة تحرير الشام، لشن هجمات تستهدف القرى والبلدات العلوية. هذه الحملة الدموية لم تقتصر على القتل فحسب، بل تم تصوير المجازر على الهواتف المحمولة، في محاولة لتوثيق الجرائم من قبل منفذيها الذين لم يعودوا يكترثون بإخفاء نواياهم، مما يثبت أن ما يجري هو جريمة تطهير عرقي ممنهجة ضد أقلية دينية. النساء والأطفال لم يكونوا بمنأى عن هذه الاعتداءات، حيث وردت شهادات عن عمليات قتل جماعية واستهداف منهجي للأهالي، فيما لا تزال مشاهد العنف غير موثقة بالكامل بسبب التعتيم المفروض على المنطقة.
مع دخول اليوم الخامس للحملة الوحشية، لا تزال الأوضاع كارثية وفق شهادات سكان من مناطق الهجوم، بينهم علويون، مسيحيون وسنة، جميعهم يشهدون على الفظائع التي تم ارتكابها. القرى العلوية تعرضت لاقتحامات متكررة من قبل مئات المسلحين الذين نفذوا جرائم قتل ونهب وحرق للمنازل، ما دفع عشرات الآلاف من المدنيين إلى الفرار نحو الغابات والجبال بحثًا عن أي مأوى يحميهم من مصير مشابه. الكثيرون غادروا منازلهم بلا طعام أو شراب، وبعضهم لم يتمكن من حمل أي مقتنيات بسبب الهجمات السريعة والمباغتة. في المقابل، القرى التي لا يزال فيها سكان محاصرون تعاني من كارثة إنسانية متفاقمة، حيث انقطعت المياه والكهرباء والمواد الغذائية تمامًا، فيما لم يعد هناك أي إمدادات طبية لمساعدة الجرحى، مما يترك المصابين عرضة للموت البطيء.
عمليات الإبادة التي يتم تنفيذها تجري في ظل تعتيم إعلامي متعمد، إذ أصدر قادة العمليات العسكرية أوامر صارمة بمنع حمل الهواتف المحمولة أو تصوير الأحداث، كما تم منع نقل أي مشاهد توثق الجرائم. وفق شهادات محلية، فإن الهواتف التي تمت مصادرتها من الضحايا تم تدميرها أو مصادرتها بالكامل، وتم تنفيذ إعدامات بحق أي شخص يحاول تسجيل مقاطع فيديو أو التقاط صور. هذه الاستراتيجية تهدف إلى طمس الأدلة ومنع أي محاولات لتسريب ما يحدث إلى العالم الخارجي، ما يعزز صعوبة توثيق الجرائم وإثباتها دوليًا.
من بين الممارسات التي زادت من حدة المأساة، فرض حصار خانق على المناطق العلوية، حيث تم قطع الإمدادات الأساسية بالكامل. لم تقتصر هذه الإجراءات على منع وصول الغذاء والدواء، بل تم إيقاف عمل المخابز بالقوة، ومنعت قوات العمليات العسكرية أصحاب الأفران من تشغيلها. أزمة الخبز، إلى جانب النقص الحاد في المواد الغذائية، وضعت السكان المتبقين أمام كارثة إنسانية تهدد حياتهم. مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي، لم يعد هناك أي وسيلة لشحن الهواتف المحمولة، ما أدى إلى عزلة تامة للسكان المستهدفين وانقطاعهم عن أي تواصل مع العالم الخارجي، ما يعزز من صعوبة إيصال أصواتهم أو الاستغاثة لإنقاذهم من هذا المصير الدموي.
في ظل هذه الأوضاع، باتت الطرق الرئيسية التي تربط المناطق العلوية بالمناطق المجاورة تخضع لحواجز يسيطر عليها مسلحون أجانب من جنسيات مختلفة. هؤلاء المسلحون ينفذون عمليات إعدام ميدانية ضد أي شخص يحاول الهرب، مما جعل خيار الفرار مستحيلاً بالنسبة للكثيرين. الحدود مع لبنان وتركيا أصبحت مغلقة فعليًا أمام الهاربين، فيما تحول الساحل السوري إلى منطقة موت محاصرة من كل الجهات، حيث يتعرض المدنيون لحملة إبادة منهجية أمام مرأى العالم.
الجرائم التي يتم ارتكابها بحق العلويين اليوم تذكر بفظائع الحروب العرقية التي شهدها التاريخ الحديث، حيث يتم استهداف مجموعة دينية بالكامل وسط تواطؤ وصمت دولي. منذ اندلاع هذه الحملة، لم يصدر أي موقف حقيقي من الجهات الدولية التي تدّعي حماية حقوق الإنسان، ولم تشهد المنطقة أي محاولات لوقف المجازر أو توفير ممرات آمنة للمدنيين. استمرار هذه الجرائم دون أي تدخل يفتح الباب أمام كارثة أكبر، خاصة مع تصاعد وتيرة الهجمات وغياب أي بوادر لانتهاء العنف في القريب العاجل.
ما يجري على الساحل السوري ليس مجرد معركة عسكرية، بل جريمة تطهير عرقي متكاملة الأركان تستهدف مجموعة سكانية على أساس انتمائها الديني. في ظل استمرار الفوضى وانعدام الأمن، ومع تزايد نفوذ الجماعات المتطرفة التي لا تخضع لأي ضوابط، فإن الوضع يزداد خطورة يومًا بعد يوم. هذه الحملة، التي بدأت تحت ستار العمليات العسكرية، تحولت إلى واحدة من أبشع الفصول في تاريخ الحرب السورية، حيث تُنفذ جرائم ضد الإنسانية دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكنًا.

Exit mobile version