مطالبات سورية مشتعلة: دولة الخلافة أم الدولة المدنية؟

ريان معروف – كاتب ومحلل سياسي
انتهى النظام البعثي القائم بطريقة مريبة ومفاجئة، ليخلف وراءه نظامًا راديكاليًا أثار مخاوف شعبية من مختلف المكونات، في مقابل عاصفة من اللاوعي دفعت غالبية المكون السني لتأييد حكم عناصر تنظيم القاعدة وأتباع بن لادن في سوريا. هذا التحول السريع وغير المتوقع في المشهد السياسي والعسكري أدى إلى انقسام حاد داخل المجتمع السوري، حيث وجد كثيرون أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر: الرضوخ لسلطة جديدة تحمل في طياتها أيديولوجية متطرفة، أو المقاومة وسط فوضى عارمة وانعدام للأمان.
مع بداية حملات الإبادة الجماعية في الساحل السوري، التي استهدفت العلويين بشكل رئيسي، بدأ تصاعد التوتر بين مختلف المكونات الدينية والعرقية في البلاد. الجماعات الإسلامية الراديكالية لم تكتفِ باستهداف العلويين، بل بدأت في تهديد المكونات الأخرى غير العربية وغير السنية، مثل الدروز والمسيحيين والأكراد، متهمةً إياهم بالخيانة والتآمر ضد مشروع الدولة الإسلامية التي يطمحون إلى إقامتها. هذه الفوضى ساهمت في تشكيل مشهد دموي دفع بالسوريين إلى تبني مطالب متباينة وفقًا لمواقفهم وظروفهم.
القسم الأول من السوريين يتبنى نهج التصعيد، حيث يطالب بتوسيع حملات الإبادة ضد العلويين لتشمل المكونات الأخرى غير السنية، متذرعًا بمبررات مختلفة مثل اتهام الدروز بالعمالة لإسرائيل، واعتبار العلويين فلول النظام السابق، والأكراد انفصاليين يسعون إلى تفكيك وحدة سوريا. هذه الفئة تغذيها أيديولوجيات تكفيرية تشرعن العنف ضد كل من لا يشاركها نفس الفكر الديني والسياسي، مما يخلق حالة من الفوضى المستمرة ويؤجج العداوات الطائفية. كما تطالب هذه الفئة بإقامة دولة خلافة إسلامية تقوم على نهج النبوة، مستلهمة تجربتها من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، أو من النموذج الأفغاني الذي فرض قوانين صارمة وقمع الحريات المدنية. وفقًا لهذه الرؤية، فإن الدولة الديمقراطية مرفوضة تمامًا، بل مكفّرة، ومن ينادي بها يوضع في دائرة الاستهداف المباشر.
على الجانب الآخر، هناك فئة ثانية من السوريين الذين يرفضون العنف ويرون أن استمرار الحروب لن يؤدي إلا إلى مزيد من الدمار والمعاناة. هذه الفئة، التي تضم مكونات متنوعة من المجتمع السوري، تدعو إلى حماية وجودها من تهديد الإسلام الراديكالي المتطرف، وتسعى لإقامة دولة مدنية ديمقراطية تحترم حقوق جميع المكونات دون تمييز. تدرك هذه الفئة أن سوريا بحاجة إلى دعم دولي قوي للخروج من حالة الفوضى الحالية، لذا تطالب المجتمع الدولي بالتدخل الفعلي والجدي، عبر إرسال قوات حفظ سلام إلى سوريا لوقف الهجمات الوحشية، ومنع وقوع المزيد من المجازر، وحماية المكونات السورية التي تواجه خطر الإبادة.
إضافة إلى ذلك، تطالب هذه الفئة المجتمع الدولي بالمساعدة في إعادة بناء المجتمع السوري، سواء عبر تقديم دعم اقتصادي وإنساني، أو من خلال تسهيل عمليات المصالحة الوطنية التي يمكن أن تمهّد الطريق نحو سلام دائم. كما ترى هذه الفئة ضرورة البدء في تأسيس حكومة انتقالية قادرة على وضع خطط تنموية تساهم في إعادة إعمار البلاد، ومعالجة المخلفات الاجتماعية والنفسية للحرب. من بين القضايا الأكثر إلحاحًا التي تسعى هذه الفئة لمعالجتها، هي تأثير التنظيمات الراديكالية مثل داعش على الأجيال اليافعة والشابة، حيث نشأت فئات من الأطفال والمراهقين تحت حكم هذه الجماعات، ما يجعلهم عرضة للأفكار المتطرفة التي يجب العمل على تفكيكها من خلال برامج تعليمية وتأهيلية خاصة.
في ظل هذا الواقع المعقد، يبقى المشهد السوري مفتوحًا على احتمالات متعددة، وسط تنازع بين التيارات المتطرفة الساعية لفرض رؤيتها بالعنف، وبين القوى المدنية التي تحاول إنقاذ ما تبقى من سوريا والحفاظ على هويتها التعددية. وبينما يستمر الصراع على الأرض، تبقى أعين السوريين شاخصة نحو المجتمع الدولي، آملين في تدخل قادر على إحداث فرق حقيقي يمنع انهيار البلاد نحو هاوية لا رجعة منها.