مظلوم عبدي يكشف عن تفاهمات متقدمة مع حكومة الشرع ويدعو إلى “جيش وطني موحّد”: السعودية مرشحة للوساطة… واستبعاد تركي واضح من المشهد

رادار سوريا – فريق التحليل السياسي

في تحول لافت على مستوى الخطاب السياسي والعسكري لقوات سوريا الديمقراطية، دعا القائد العام مظلوم عبدي إلى تشكيل جيش وطني موحد يضمن الأمن والاستقرار لجميع السوريين، كاشفًا في الوقت ذاته عن تفاهمات متقدمة مع حكومة الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، ومرحبًا بدور سعودي محتمل في تقريب وجهات النظر، مع تجاهل واضح لأي دور تركي في هذا المسار.

وجاءت تصريحات عبدي ضمن تغريدة على منصة “إكس” بالتزامن مع بث مقابلة مسجلة له عبر قناة العربية الحدث، قال فيها:
“منذ تأسيسها، حرصت قوات سوريا الديمقراطية على حماية وحدة سوريا وأمن جميع مكوناتها. واليوم نسعى لحل وطني يحفظ وحدة البلاد تحت راية واحدة وجيش وطني موحد يضمن الأمن والاستقرار لكل السوريين.”

لقاءات مباشرة مع الرئيس الشرع

عبدي كشف عن لقاء مباشر جمعه بالرئيس أحمد الشرع في العاصمة دمشق، استمر ثلاث ساعات، ووصفه بـ”الإيجابي”، حيث تم التوصل إلى اتفاقات أولية حول اللغة الكردية، وعودة مؤسسات الدولة إلى مناطق الرقة والحسكة ودير الزور. كما أشار إلى قنوات تواصل يومية بين الطرفين، مؤكدًا أن “عملية دمج نحو 100 ألف مقاتل من قسد في وزارة الدفاع السورية معقدة ولم تبدأ رسميًا بعد”.

وأكد عبدي التزام قوات سوريا الديمقراطية باتفاق 10 آذار، مشيرًا إلى أن المفاوضات التي تجري برعاية فرنسية–أمريكية–بريطانية لا تزال قائمة وتشهد تقدماً تدريجياً، لكنه شدد في المقابل على أن تنفيذ بنود الاتفاق يتطلب “جهدًا سياسيًا ودوليًا مستمرًا، وإرادة حقيقية من جميع الأطراف”. وأعلن عزمه المشاركة في اجتماع باريس المرتقب، معتبرًا أن اللقاء المقبل يشكل محطة أساسية لتثبيت التفاهمات والبناء عليها، وسط ما وصفه بـ”تصاعد الزخم الدبلوماسي وتزايد الاهتمام الدولي بإيجاد حل شامل يحفظ وحدة البلاد وحقوق مكوناتها”.

السعودية في موقع الوساطة… وأنقرة خارج المشهد

في موقف يُعد تحوّلاً استراتيجيًا، دعا القائد الكردي إلى دور سعودي في الوساطة، مؤكدًا أن المملكة قادرة على “تسهيل التفاهمات الداخلية السورية بحيادية ووزن إقليمي”، فيما بدا أن أنقرة مستبعدة كليًا من هذا المسار، في ظل التوتر القائم بينها وبين حكومة الشرع على خلفية التقارب السوري السعودي.

واشنطن: نؤيد “جيشًا واحدًا ودولة موحدة”

من جهته، سارع المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، السفير توم باراك، إلى الترحيب بتصريحات عبدي، مغرّدًا بالقول:
“قيادتكم وجهود قوات سوريا الديمقراطية المثابرة، إلى جانب التزام الحكومة السورية الراسخ بالاندماج تحت قيادة الرئيس الشرع، تمثل ركائز أساسية لسوريا مستقرة تقوم على ‘جيش واحد، حكومة واحدة، ودولة واحدة’.”

ردّ السفير والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توم باراك، الذي لا يزال يحظى بنفوذ واسع في أوساط الجمهوريين ودوائر صنع القرار بشأن الملف السوري داخل واشنطن، كشف عن تقاطع استراتيجي لافت بين قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الأمريكية الجديدة. إلا أن الفجوة ما تزال قائمة في الرؤية العسكرية: فبينما تدفع قسد باتجاه تشكيل “جيش موحّد” متعدد القيادات يعكس التنوع المحلي، تتمسك واشنطن، على لسان باراك، بمفهوم “جيش واحد” خاضع لقيادة مركزية واحدة. ومع ذلك، تستشهد قسد بتصريحات صادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية، تؤكد أن واشنطن لا تعارض أي صيغة للدولة السورية تُبنى على توافق السوريين أنفسهم، ما يعزز موقفها التفاوضي ويمنحها هامشاً سياسياً أوسع في بلورة نموذجها العسكري داخل الإطار الوطني العام.

المعارضة تشكك… والانقسامات مستمرة

على الطرف الآخر، شنّ المعارض السوري ماهر شرف الدين هجومًا حادًا، معتبرًا أن “نظام الشرع يهرع بعد كل موجة عنف للتقارب مع قسد كتكتيك مرحلي”، مشيرًا إلى أن “الجنرال عبدي يفرض شروطه ويستثمر في هشاشة النظام الجديد”، على حد تعبيره.

تأتي هذه التطورات في ظل تصعيد ميداني متسارع جنوب البلاد، حيث تخوض قوات وزارة الدفاع السورية، إلى جانب ميليشيات عشائرية موالية للحكومة، مواجهات عنيفة ضد فصائل درزية محلية في محافظة السويداء، وسط محاولات لفرض السيطرة الكاملة على المنطقة بالقوة، وارتكاب مجازر مروعة بحق المدنيين العزّل. ويتزامن هذا التصعيد مع ضربة جوية إسرائيلية دقيقة استهدفت مبنى الأركان العامة في قلب العاصمة دمشق، في ما اعتبرته مصادر دبلوماسية “رسالة مباشرة وصارمة”، جاءت على خلفية مباحثات معلنة جرت مؤخرًا في باريس بين ممثلين سوريين وإسرائيليين، ما يفتح الباب أمام قراءات متعددة بشأن إعادة رسم قواعد الاشتباك وحدود النفوذ في المرحلة المقبلة.

دعم دولي مستمر وتدريبات مشتركة

في مؤشر على استمرار الدعم الغربي، أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن قوات التحالف الدولي أجرت تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية إلى جانب قوات قسد في محافظة الحسكة، فيما نقلت قناة “سكاي نيوز عربية” عن مصادر مطلعة أن مفاوضات تجري لتوسيع الحكومة السورية المؤقتة بشكل يمثّل مختلف الطوائف والمناطق، بما في ذلك تمثيل قسد في مفاصل القرار السياسي والعسكري.

جيش موحد أم جيش واحد؟

تُظهر التطورات الأخيرة تباينًا بنيويًا بين الرؤية الأمريكية والطرح الكردي. ففي حين تميل واشنطن إلى نموذج الجيش المركزي واحد، تطرح قسد صيغة أقرب إلى نموذج اتحادي أو لامركزي، يتيح لها الحفاظ على خصوصيتها ضمن منظومة الدولة الجديدة.

وبين الطرحين، يبرز الدور السعودي كعنصر توازن محتمل، قادر على ضمان توافق سوري–سوري برؤية عربية واضحة، خصوصًا في ظل الانفتاح السعودي المستمر تجاه ملف التسوية السورية، والعلاقة الإيجابية التي تطوّرت مع حكومة الرئيس الشرع.

يبقى السؤال مفتوحًا: هل تنجح هذه الديناميكيات في إعادة بناء الجيش السوري على أسس وطنية جامعة؟ أم أن صراع التصورات بين المركزية واللامركزية سيؤجل الحسم إلى جولات جديدة من التفاوض؟

Exit mobile version